فصل: الضرب الرابع نظر الدواوين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


  الضرب الثاني من الأموال الديوانية بالديار المصرية غير الشرعي

وهو المكوس وهي على نوعين النوع الأول ما يختص بالديوان السلطاني وهو صنفان الصنف الأوّل ما يؤخذ على الواصل المجلوب وأكثره متحصلاً جهتان في بحر القلزم من جهة الحجاز واليمن وما والاهما وذلك بأربعة سواحل البحر المذكور الساحل الأول - ‏"‏ عيذاب ‏"‏ وقد كان أكثر السواحل واصلاً لرغبة رؤساء المراكب في التعدية من جدة إليه وإن كانت باحته متسعة لغزارة الماء وأمن اللحاق بالشعب الذي ينبت في قعر هذا البحر ومن هذا الساحل يتوصل إلى قوص بالبضائع ومن قوص إلى فندق الكارم بالفسطاط في بحر النيل‏.‏

الساحل الثاني - ‏"‏ القصير ‏"‏ وهو في جهة الشمال عن عيذاب وكان يصل اليه بعض المراكب لقربه من قوص وبعد عيذاب منها وتحمل البضائع منه إلى قوص ثم من قوص إلى فندق الكارم بالفسطاط على ما تقدم وإن لم يبلغ في كثرة الواصل حد عيذاب‏.‏

الساحل الثالث - ‏"‏ الطور ‏"‏ وهو ساحل في جانب الرأس الداخل في بحر القلزم بين عقبة أيلة وبين بر الديار المصرية وقد كان هذا الساحل كثير الواصل في الزمن المتقدم لرغبة بعض رؤساء المراكب في السير إليه لقرب المراكب فيه من بر الحجاز حتى لايغيب البر عن المسافر فيه وكثرة المراسي في بره متى تغير البحر على صاحب المركب وجد مرساة يدخل إليها ثم ترك قصد هذا الساحل والسفر منه بعد انقراض بني بدير العباسية التجار ورغب المسافرون عن السفر فيه لما فيه من الشعب الذي يخشى على المراكب بسببه ولذلك لايسافر فيه الا نهارا وبقي على ذلك إلى حدود سنة ثمانين وسبعمائة فعمر فيه الأمير صلاح الدين بن عرام رحمه الله وهو يومئذ حاجب الحجاب بالديار المصرية مركباً وسفرها ثم اتبعها بمركب آخر فجسر الناس على السفر فيه وعمروا المراكب فيه ووصلت إليه مراكب اليمن بالبضائع ورفضت عيذاب والقصير وحصل بواسطة ذلك حمل الغلال إلى الحجاز وغرزت فوائد التجار قي حمل الحنطة إليه‏.‏

الساحل الرابع - ‏"‏ السويس ‏"‏ على القلب من مدينة القلزم الخراب بساحل الديار المصرية‏.‏

وهو أقرب السواحل إلى القاهرة والفسطاط إلا أن الدخول إليه نادر والعمدة على ساحل الطور كما تقدم‏.‏

قلت وهذه السواحل على حد واحد في أخذ المرتّب السلطاني وقد ذكر في ‏"‏ قوانين الدواوين ‏"‏‏:‏ أن واصل عيذاب كان استقر فيه الزكاة‏.‏

أما الذي عليه الحال في زماننا فإنه يؤخذ من بضائع التجار العشر مع لواحق أخرى تكاد أن تكون نحو المرتب السلطاني أيضاً‏.‏

واعلم أنه قد تصل البضائع للتجار المسلمين إلى ساحل الإسكندرية ودمياط المتقدم ذكرهما فيؤخذ منها المرتب السلطاني على ما توجبه الضرائب‏.‏

الجهة الثانية ما يؤخذ على واصل التجار بقطيا في طريق الشام إلى الديار المصرية وعليها يرد سائر التجار الواصلين في البر من الشام والعراق وما والاهما وهي أكثر الجهات متحصلاً وأشدها على التجار تضييقاً وعندهم ضرائب مقررة لكل نوع يؤخذ عن نظيرها‏.‏

الصنف الثاني ما يؤخذ بحاضرة الديار المصرية‏:‏ بالفسطاط والقاهرة وهو جهات كثيرة يقال إنها تبلغ اثنتين وسبعين جهة منها ما يكثر متحصّله ومنها ما يقل ثم بعضها ما يتحصل من قليل وكثير وبعضها لها ضمان بمقدار معين لكل جهة يطلب بذلك المقدار إن زادت الجهة فله وإن نقصت فعليه‏.‏

قلت‏:‏ وقد عمت البلوى بهذه المكوس وخرجت في التزيد عن الحد ودخلت الشبهة في أموال الكثير من الناس بسببها‏.‏

وقد كان السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله في سلطنته قد رفع هذه المكوس ومحا آثارها وعوضه الله عنها بما حازه من الغنائم وفتحه من البلاد والأقاليم وربما وقع الإلهام من الله تعالى لبعض ملوك المملكة برفع المظلمة الحاصلة منها‏.‏

ومن أعظم ذلك خطراً وأرفع أجراً ما فعله السلطان الملك الأشرف ‏"‏ شعبان بن حسين ‏"‏ ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون تغمده الله تعالى برحمته من بطلان مكوس الملاهي والقراريط على الأملاك المبيعة‏.‏

ما لا اختصاص له بالديوان السلطاني وهي المكوس المتفرقة ببلاد الديار المصرية فتكون تابعة للإقطاع إن كانت تلك البلد جارية في ديوان من الدواوين السلطانية فمتحصلها لذلك الديوان أو جارية في إقطاع بعض الأمراء ونحوهم فمتحصلها لصاحب الإقطاع ويعبّر عنها في الدواوين بالهلالي كما يعبّر عما يؤخذ من أجرة الأرضين بالخراجي‏.‏

الطرف الرابع في ترتيب المملكة ولها ثلاث حالات الحالة الأولى ما كانت عليه في زمن عمّال الخلفاء من حين الفتح إلى آخر الدولة الإخشدية ولم يتحرر لي ترتيبها والظاهر أنه لم يزل نّوابها وأمراؤها حينئذ على هيئة العرب إلى أن وليها أحمد بن طولون وبنوه وأحدثوا فيها ترتيب الملك‏.‏

على أنه كان أكثر عسكره من السودان حتّى يقال إنه كان في عسكره آثن عشر ألف الحالة الثانية من أحوال الديار المصرية ما كانت عليه في زمن الخلفاء الفاطميين وينحصر المقصود من ترتيب مملكتهم في سبع جمل‏.‏

الجملة الأولى في الآلات الملوكية المختصة بالمواكب العظام وهي على أصناف متعددة‏:‏ منها التاج‏.‏

وكان ينعت عندهم بالتاج الشريف ويعرف بشدّة الوقار‏.‏

وهو تاج يركب به الخليفة في المواكب العظام وفيه جوهرة عظيمة تعرف باليتيمة زنتها سبعة دراهم ولا يقوّم عليها لنفاستها وحولها جواهر أخرى دونها يلبس الخليفة هذا التاج في المواكب العظام مكان العمامة ‏.‏

ومنها قضيب الملك‏.‏

وهو عود طول شبر ونصف ملبّس بالذهب المرصع بالدرّ والجوهر يكون بيد الخليفة في المواكب العظام‏.‏

ومنها السيف الخاص‏.‏

الذي يحمل مع الخليفة في المواكب‏.‏

يقال إنه كان من صاعقةٍ وقعت وحصل الظّفر بها فعمل منها هذا السيف وحليته من ذهب مرصعة بالجواهر وهو في خريطة مرقومة بالذهب لا يظهر إلا رأسه وله أمير من أعظم الأمراء يحمله عند ركوب الخليفة في الموكب‏.‏

ومنها الدواة‏.‏

وهي دواة متخذة من الذهب وحليتها مصنوعة من المرجان على صلابته ومناعته تلف في منديل شرب أبيض مذهب ويحملها شخص من الأستاذين في الموكب أمام الخليفة تكون بينه وبين السرج ثم جعل حملها لعدل من العدول المعتبرين‏.‏

ومنها الرمح‏.‏

وهو رمح لطيف في غلاف منظوم باللؤلؤ وله سنان مختصر بحلية الذهب وله شخص مختص بحمله‏.‏

ومنها الدّرقة‏.‏

وهي درقة كبيرة بكوابج من ذهب يقولون إنها درقة حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم وعليها غشاء من حرير ويحملها في الموكب أمير من أكابر الأمراء له عندهم جلالة‏.‏

ومنها الحافر‏.‏

وهي قطعة ياقوت أحمر في شكل الهلال زنتها أحدعشر مثقالاً ليس لها نظير في الدنيا تخاط خياطة حسنة على خرقة من حرير وبدائرها قضب زمرد ذبابي عظيم الشأن ومنها المظلة التي تحمل على رأس الخليفة عند ركوبه‏.‏

وهي قبة على هيئة خيمة على رأس عمود كالمظلة التي يركب بها السلطان الآن‏.‏

وكانت اثني عشر شوزكاً عرض سفل كل شوزك شبر وطوله ثلاثة أذرع وثلث وآخره من أعلاه دقيق للغاية بحيث يجتمع الإثنا عشر شوزكاً في رأس عمود بدائرة وعمودها قنطارية من الزان ملبسة بأنابيب الذهب وفي آخر انبوبة ثلثي رأس العمود فلكة بارزة مقدار عرض إبهام تشد آخر الشوازك في حلقة من ذهب وتنزل في رأس الرمح‏.‏

ولها عندهم مكانة جليلة لعلوها رأس الخليفة وحاملها من أكبر الأمراء‏.‏

قال ابن الطوير‏:‏ وكان من شرطها عندهم ان تكون على لون الثياب التي يلبسها الخليفة في ذلك الموكب لاتخالف ذلك‏.‏

ومنها الاعلام‏.‏

وأعلاها اللواءان المعروفان باواءي الحمد وهما رمحان طويلان ملبسان بأنابيب من ذهب إلى حد أسنتهما وبأعلاهما رايتان من الحرير الأبيض المرقوم بالذهب ملفوفتان على الرمحين غير منشورتين يخرجان لخروج المظلة إلى أميرين معدين لحملها ودونهما رمحان برؤوسهما أهلّة من ذهب صامت في كل واحد منهما سبع من ديباج أحمر وأصفر وفي فمه طارة مستديرة يدخل فيها الرمح فيفتحان فيظهر شكلهما يحملهما فارسان من صبيان الخاص ووراءهما رايات لطاف من الحرير المرقوم ومكتوب عليها‏:‏ ‏"‏ نصر من الله وفتح قريب ‏"‏ طول كل راية منها ذراعان في عرض ذراع ونصف في كل واحدة ثلاث طرازات على رماح من القنا عدتها أبداً إحدى وعشرون راية يحملها أحد وعشرون فارساً من صبيان الخليفة وحاملها أبداً راكب بغلة‏.‏

ومنها المذبتان وهما مذبتان عظيمتان كالنخلتين ملويتان محمولتان عند رأس فرس الخليفة في الركوب‏.‏

ومنها السلاح الذي يحمله الركابية حول الخليفة‏.‏

وهو صماصم مصقولة ودبابيس ملبسة بالكيمخت الأحمر والأسود ورؤوسها مدورة ولتوت حديد كذلك ورؤوسها مستطيلة والآت يقال لها المستوفيات وهي عمد حديد طول ذراعين مربعات الأشكال بمقابض مدورة بعدة معلومة من كل صنف وستمائة حربة بأسنة مصقولة تحتها جلب الفضة وثلثمائة درقة بكوابج فضة يحمل ذلك في الموكب ثلثمائة عبد أسود كل عبد حربتان ودرقة واحدة وستون رمحاً طول كل واحد منها سبع أذرع برأسها طلعة وعقبها من حديد يحملها قوم يقال لهم السريرية يفتلونها بأيديهم اليمنى فتلاً متدارك الدوران ومائة درقة لطيفة ومائة سيف بيد مائة رجل كل رجل درقة وسيف يسيرون رجالة في الموكب وعشرة سيوف في خرائط ديباج أحمر ةأصفر بشراريب يقال لها سيوف الدم تكون في أعقاب الموكب برسم ضرب الأعناق إذا أراد الخليفة قتل أحد‏.‏

وذلك كله خارج عما يخرج من خزانة التجمل برسم الوزير وأكابر الأمراء وأرباب الرتب وأزمّة العساكر لتجملهم في الموكب وهي نحو أربعمائة راية مرقومة الأطراف وبأعلاها رمامين الفضة المذهبة وعدة من العماريات وهي شبه الكنجاوات ملبسة بالحرير الأحمر والأصفر والقرمزي وغير ذلك وعليها كوابج الفضة المذهبة لكل أمير من أصحاب القضب منها عمارية ويختص لواءان على رمحين منقوشين بالذهب غير منشورين يكونان أمامه في الموكب الى غير ذلك من الآلات التي يطول ذكرها ويعسر استيعابها‏.‏

ومنها النقارات‏.‏

وكانت على عشرين بغلاً على كل بغل ثلاث مثل نقارات الكوسات بغير كوسات تسير في الموكب اثنتين اثنتين ولها حس حسن‏.‏

ومنها الخيام والفساطيط وكان من أعظم خيمهم خيمة تعرف بالقاتول طول عمودها سبعون ذراعاً بأعلاه سفرة فضة تسع راوية ماء وسعتها ما يزيد على فدانين في التدوير وسميت بالقاتول لأن فرّاشاً سقط من أعلاها فمات‏.‏

قلت‏:‏ ولعمري إن هذه لأثرة عظيمة تدل على عظيم مملكة وقوة قدرة وأنى يتأتى مثل هذه الخيمة لملك من الملوك وإن جلّ قدره وعظم شأنه‏.‏

في حواصل الخليفة وهي على خمسة أنواع النوع الأول الخزائن وهي ثمان خزائن الأولى - خزانة الكتب‏.‏

وكانت من أجل الخزائن وأعظمها شأناً عندهم وكان فيها من المصاحف الشريفة المكتوبة بالخطوط المنسوبة الفائقة عدّة كثيرة ومن الكتب ما يزيد على مائة ألف مجلد مشتملة على أنواع العلوم مما يدهش الناظر ويحيره وربما اجتمع من المصنف الواحد فيها عشر نسخ فما دونها وكان فيها من الدروج المكتتبة بالخطوط المنسوبة كخط ابن مقلة وابن البواب ومن جرى مجراهما‏.‏

الثانية - خزانة الكسوة وهي في الحقيقة خزانتان إحداهما - الخزانة الظاهرة وهي المعبر عنها في زماننا بالخزانة الكبرى على ما كانت عليه أولاً والمعبر عنها بخزانة الخاص على ما استقر عليه الحال آخراً وكان فيها من الحواصل من الديباج الملون على اختلاف ضروبها والشرب الخاص الدّبيقي والسّقلاطون وغير ذلك من أنواع القماش الفاخرة ما يدل على عظم المملكة وإليها يحمل ما يعمل بدار الطراز بتنّيس ودمياط والإسكندرية من مستعملات الخاص وفيها يفصل ما يؤمر به من لباس الخليفة وما يحتاج إليه من الخلع والتشاريف وغير ذلك‏.‏

الثانية - معدة للباس الخليفة خاصة وهي المعبر عنها في زماننا بالطشت خاناه وإليها ينقل القماش المفضل بالخزانة الأولى من قماش الخليفة وغيره‏.‏

الثالثة - خزانة الشراب‏.‏

وهي المعبر عنها في زماننا بالشراب خاناه وكان فيها من أنواع الأشربة والمعاجين النفيسة والمربيات الفاخرة وأصناف الأدوية والعطريات الفائقة التي لا توجد إلا فيها وفيها من الآلات النفيسة والآنية الصيني من الزبادي والصحون والبراني والأزياء ما لا يقدر عليه ير الملوك‏.‏

الرابعة - خزانة الطعم‏.‏

وهي المعبر عنها في زماننا بالحوائج خاناه وكانت تحتوي على عدة أصناف القلويات من الفستق وغيره والسكر والقند والأعسال على أصنافها والزيت والشمع وغير ذلك ومنها يخرج راتب المطابخ خاصاً وعاماً وينفق لأرباب الخدم وأصحاب التوقيعات في كل شهر ولا يحتاج إلى غيرها إلا في اللحم والخضر‏.‏

الخامسة - خزانة السروج وهي المعبّر عنها في زماننا بالركاب خاناه وكانت قاعة كبيرة بالقصر بها السروج واللجم من الذهب والفضة وسائر آلات الخيل مما يختص بالخليفة ثم منها ما هو قريب من الخاص ومنها ما هو وسط برسم من هو من أرباب الرتب العالية ومنها ماهو دونّ برسم من هو برسم العواري أيام المواكب لأرباب الخدم‏.‏

السادسة - خزانة الفرش‏.‏

وهي المعبر عنها في زماننا بالفراش خاناه وكان موضعها بالقصر بالقرب من دار الملك وكان الخليفة يحضر إليها من غير جلوس ويطوف فيها ويسأل عن أحوالها ويأمر بإدامة عمل الاحتياجات وحملها إليها‏.‏

السابعة - خزانة السلاح‏.‏

وهي المعبر عنها في زماننا بالسلاح خاناه فيها من أنواع السلاح المختلفة ما لا نظير له‏:‏ من الزرديات المغشّاة بالديباج المحكمة الصنعة المحلاة بالفضة والجواشن المذهبة والخوذ المحلاة بالذهب والفضة والسيوف العربيات والقلجورية والرماح القنا والقنطاريات المدهونة والمذهبة والأسنة العظيمة والقسي المخبورة المنسوبة إلى أفاضل الصناع وقسيّ الرجل والركاب وقسيّ اللولب التي تبلغ زنة نصله خمسة أرطال بالمصري والنبل الذي يرمى به عن القسيّ العربية في المجاري المصنوعة لذلك‏.‏

قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر‏:‏ كان يصرف فيها في كل سنة سبعون ألف دينار إلى ثمانين ألف دينار‏.‏

الثامنة - خزانة التجمل‏.‏

وهي خزانة فيها أنواع من السلاح يخرج منها للوزير والأمراء في المواكب الألوية والقضب الفضة والعماريات وغيرها‏.‏

قال آبن الطوير‏:‏ هي من حقوق خزائن السلاح‏.‏

وأما خزائن المال فكان فيها من الأموال والجواهر النفيسة والذخائر العظيمة والأقمشة الفاخرة ما لا تحصره الأقلام‏.‏

وناهيك أن المستنصر لما وقع الغلاء العظيم بمصر أخرج من خزانته في سنة اثنتين وستين وأربعمائة ذخائر تسعها للإعانة على قيام أمر المملكة والجند فكان مما أخرجه ثمانون ألف قطعة بلور كبار وسبعون ألف قطعة من الديباج وعشرون ألف سيف محلى‏.‏

ولما استولى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب على القصر بعد وفاة العاضد آخر خلفائهم وجد فيه من الأعلاق الثمينة والتحف ما يخرج عن حد الإحصاء من جملته الحافر الياقوت المقدم ذكره‏.‏

ويقال إنه وجد فيه قضيب زمردٍ يزيد على قامة الرجل على ما تقدم ذكره في الكلام على الأحجار الملوكية في أثناء المقالة الأولى ووجد فيه أيضاً الهرم العنبر الذي عمله الأمين زينته ألف رطل بالمصريّ‏.‏

النوع الثاني حواصل المواشي المعبّر عنها عند كتّاب زماننا بالكراع وهي حاصلان الأول - الإصطبلات‏.‏

وهي حواصل الخيول والبغال وما في معناها قال ابن طوير‏:‏ وكان لهم إصطبلان‏.‏

قال‏:‏ وكان للخليفة برسم الخاص في كل إصطبل ما يقرب من الألف رأس النصف من ذلك برسم الخاص والنصف برسم العواري في المواكب لأرباب الرتب والمستخدمين وكان لكل ثلاثة أرؤس منها سائس واحد لكل واحد منها شدّاد برسم تسييرها وبكل من الإصطبلين رائض كأمير آخور‏.‏

ومن غريب ما يحكى أن أحداً من خلفاء الفاطميين لم يركب حصاناً أدهم قط ولا يرون إضافته إلى دوابهم بالإصطبلات‏.‏

الثاني - المناخات‏.‏

وهي حواصل الجمال وكان لهم من الجمال الكثيرة بالمناخات وعددها الفائقة ما يقصر عنه الحد‏.‏

النوع الثالث حواصل الغلال وشون الأتبان أما الغلال - فكانت لهم الأهراء في عدة أماكن‏:‏ بالقاهرة وبالفسطاط والمقسم ومنها تصرف الإطلاقات لأرباب الرواتب والخدم والصدقات وأرباب الجوامع والمساجد والجرايات والطواحين السلطانية وجرايات رجال الأسطول وغير ذلك وربما طال زمن الغلال فيها حتى تقطع بالمساحي‏.‏

وأما شون الأتبان - فكان بطريق الفسطاط شونتان عظيمتان مملوءتان بالتبن معبأتان تعبئة المراكب كالجبلين الشاهقين وينفق منها للإصطبلات والمواشي الديوانية وعوامل بساتين الملك وكانت ضريبة كل شليف عندهم ثلثمائة وستين رطلاً‏.‏

النوع الرابع حواصل البضاعة قال ابن الطوير‏:‏ وكان فيها ما لا يحصره إلا القلم من الأخشاب والحديد والطواحين النجدية والغشيمة وآلات الأساطيل من القنب والكتان والمنجنيقات والصنّاع الكثيرة من الفرنج وغيرهم من أهل كل صنعة وكانت الصناعة أولاً بالجزيرة المعروفة الآن بالروضة ولذلك كانت تعرف بينهم بجزيرة الصناعة قاله القضاعي‏.‏

النوع الخامس ما في معنى الحواصل لوقوع الصرف والتفرقة منه وهو الطواحين والمطبخ ودار الفطرة فأما الطواحين - فإنها كانت معلقة مداراتها أسفل وطواحينها فوق كما في السواقي حتى لايقارب الدقيق زبل الدواب الدائرة لاختصاصه بالخليفة‏.‏

وأما المطبخ - فقد تقدم في الكلام على خطط القاهرة وكان يدخل بالطعام منه إلى القصر من باب الزهومة مكان قاعة الحنابلة من المدرسة الصالحية الآن على ما تقدم في خطط القاهرة‏.‏

قال ابن الطوير‏:‏ ولم يكن لهم أسمطة عامة في سوى العيدبن وشهر رمضان‏.‏

الجملة الثالثة في ذكر جيوش الدولة الفاطمية وبيان مراتب أرباب السيوفوهم على ثلاثة أصناف‏:‏ المرتبة الأولى مرتبة الأمراء المطوقين وهم الذين يخلع عليهم بأطواق الذهب في أعناقهم وكأنهم بمثابة الأمراء مقدمي الألوف في زماننا‏.‏

المرتبة الثانية - مرتبة أرباب القضيب وهم الذين يركبون في المواكب بالقضب الفضة التي يخرجها لهم الخليفة من خزانة التجمل تكون بأيديهم وهم بمثابة الطبلخاناه في زماننا‏.‏

المرتبة الثالثة - أدوان الأمراء ممن لم يؤهل لحمل القضب‏.‏

وهم بمثابة أمراء العشرات والخمسات في زماننا‏.‏

الصنف الثاني خواص الخليفة وهم على ثلاثة أنواع‏:‏ النوع الأول الأستاذون وهم المعروفون الآن بالخدام وبالطواشي وكان لهم في دولتهم المكانة الجليلة ومنم كان أرباب الوظائف الخاصة بالخليفة وأجلهم المحنكون وهم الذين يدورون عمائمهم على أحناكهم كما تفعل العرب والمغاربة الآن وهم أقربهم إليه وأخصهم به وكانت عدتهم تزيد على ألف‏.‏

قال ابن الطوير‏:‏ وكان من طريقتهم أنه متى ترشح أستاذ منهم للحنك وحنك حمل إليه كل أستاذ من المحنكين بدلةً كاملة من ثيابه وسيفاً وفرساً فيصبح لاحقاً بهم وفي يده مثل ما في أيديهم‏.‏

النوع الثاني صبيان الخاص وهم جماعة من أخصاء الخليفة نحو خمسمائة نفر منهم أمراء وغيرهم ومقامهم مقام المعروفين بالخاصكية في زماننا‏.‏

النوع الثالث صبيان الحجر وهم جماعة من الشباب يناهزون خمسة آلاف نفر مقيمون في حجر منفردة لكل حجرة منها اسم يخصها يضاهون مماليك الطباق السلطانية الآن المعبر عنهم بالكتانية إلا أن عدتهم كاملة وعللهم مزاحة ومتى طلبوا لمهم لم يجدو عائقاً وللصبيان منهم حجرة منفردة يتسلمها بعض الأستاذين وكانت حجرتهم بمعزل عن القصر داخل باب القصر مكان الخانقاه الركنية بيبرس الآن‏.‏

الصنف الثالث طوائف الأجناد وكان عدة كثيرة تنسب كل طائفة منهم إلى من بقي من بقايا خليفة من الخلفاء الماضين منهم كالحافظية والآمرية من بقايا الحافظ والآمر أو إلى من بقي من بقايا وزير من الوزراء الماضين كالجيوشية والأفضلية من بقايا أمير الجيوش بدر الجمالي وولده الأفضل أو إلى من هي منتسبةٌ إليه في الوقت الحاضر كالوزيرية أو غير ذلك من القبائل والأجناس كالأتراك والأكراد والغز والديلم والمصامدة أو من المستصنعين كالروم والفرنج والصقالبة أو من السوادن من عبيد الشراء أو العتقاء وغيرهم من الطوائف ولكل طائفة منهم قواد ومقدمون يحكمون عليهم‏.‏

الجملة الرابعة في ذكر أرباب الوظائف بالدولة الفاطمية وهم على قسمين القسم الأول ما يحضره الخليفة وهم أربعة أصناف الصنف الأول أرباب الوظائف من أرباب السيوف وهم نوعان النوع الأول وظائف عامة الجند وهي تسع وظائف‏:‏ الوظيفة الأول - الوزارة وهي أرفع وظائفهم وأعلاها رتبةً واعلم أن الوزارة في الدولة الفاطمية كانت تارة تكون في أرباب السيوف وتارة في أرباب الأقلام وفي كلا الجانبين تارة تعلو فتكون وزارة تفويضٍ تضاهي السلطنة الآن أو قريباً منها ويعبر عنها حينئذ بالوزارة وتارة تنحط فتكون دون ذلك ويعبر عنها حينئذ بالوساطة‏.‏

قال في نهاية الأرب‏:‏ وأول من خوطب منهم بالوزارة يعقوب بن كلس وزير العزيز وأول وزارتهم من عظماء أرباب السيوف بدر الجمالي وزير المستنصر وآخرهم صلاح الدين بن أيوب ومنها استقل بالسلطنة على ما تقدم‏.‏

الوظيفة الثانية - وظيفة صاحب الباب وهي ثاني رتبة الوزارة‏.‏

قال ابن الطوير‏:‏ وكان يقال لها الوزارة الصغرى وصاحبها في المعنى يقرب من النائب الكافل في زماننا وهو الذي ينظر في المظالم إذ لم يكن وزيرٌ صاحب سيف فإن كان وزيرٌ صاحب سيف كان هو الذي يجلس للمظالم بنفسه وصاحب الباب من جملة من يقف في خدمته‏.‏

الوظيفة الثالثة - الاسفهلارية‏.‏

قال ابن الطوير‏:‏ وصاحبها زمام كل زمام وإليه أمر الأجناد والتحدث فيهم وفي خدمته وخدمة صاحب الباب تقف الحجاب على اختلاف طبقاتهم‏.‏

الوظيفة الرابعة - حمل المظلة في المواسم العظام‏:‏ كركوب رأس العام ونحوه‏.‏

وهي من الوظائف العظام وصاحبها يسمى حامل المظلة وهو أمير جليل وله عندهم التقدم والرفعة لحمل ما يعلو رأس الخليفة‏.‏

الوظيفة الخامسة - حمل سيف الخليفة في المواكب التي تحمل فيها المظلة ويعبر عن صاحبها بحامل السيف‏.‏

الوظيفة السادسة - حمل رمح الخليفة في المواكب التي تحمل فيها المظلة‏.‏

وهو رمح صغير يحمل مع الخليفة في المواكب وصاحبها يعبر عنه بحامل الرمح‏.‏

الوظيفة السابعة - حمل السلاح حول الخليفة في المواكب‏.‏

وأصحاب هذه الوظيفة يعبر عنهم لزيهم بالركابية وبصبيان الركاب الخاص أيضاً وهم الذين يعبر عنهم في زماننا بالسلاح دارية والطبردارية وكانت عدتهم تزيد على ألفي رجل ولهم اثنا عشر مقدماً وهم أصحاب ركاب الخليفة ولهم نقباء موكلون بمعرفتهم والأكابر من هؤلاء الركابية تندب في الأشغال السلطانية وإذا دخلوا عملاً كان لهم فيه الصيت المرتفع‏.‏

الوظيفة الثامنة - ولاية القاهرة‏.‏

وكان لصاحبها عندهم الرتبة الجليلة والحرمة الوافرة وله مكان في الموكب يسير فيه‏.‏

الوظيفة التاسعة - ولاية مصر‏.‏

وهي دون ولاية القاهرة في الرتبة كما هي الآن إلا أن مصر إذ ذاك عامرةً آهلةً فكان مقدارها أرفع مما هي عليه في زماننا‏.‏

النوع الثاني وظائف خواص الخليفة من الأستادين وهي عدة وظائف الضرب الأول ما يختص بالأستاذين المحنكين وهي تسع وظائف‏:‏ الأولى - شد التاج‏.‏

وموضوعها أن صاحبها يتولى شد تاج الخيلفة الذي يلبسه في المواكب العظيمة بمثابة اللفاف في زماننا وله ميزةٌ على غيره بلمسه التاج الذي يعلو رأس الخيفة وكان لشده عندهم ترتيب خاص لا يعرفه كل أحدٍ يأتي به في هيئة مستطيلة ويكون شده بمنديل من لون لبس الخليفة ويعبر عن هذه الشدة بشدة الوقار كما تقدم‏.‏

الثانية - وظيفة صاحب المجلس‏.‏

وهو الذي يتولى أمر المجلس الذي يجلس فيه الخليفة الجلوس العام في الموكب ويخرج إلى الوزير والأمراء بعد جلوس الخليفة على سرير الملك يعلمهم بذلك ينعت بأمين الملك وهو بمثابة أمير خازندار في زماننا‏.‏

الثالثة - وظيفة صاحب الرسالة‏.‏

وهو الذي يخرج برسالة الخيلفة إلى الوزير وغيره‏.‏

الرابعة - وظيفة زمام القصور‏.‏

وهو بمثابة زمام الدور في زماننا‏.‏

الخامسة - وظيفة صاحب بيت المال‏.‏

وهو بمثابة الخازندار في زماننا‏.‏

السادسة - وظيفة صاحب الدفتر المعروف بدفتر المجلس‏.‏

وهو المتحدث على الدواوين الجامعة لأمور الخلافة‏.‏

السابعة - وظيفة حامل الدواة‏.‏

وهي دواة الخيلفة المتقدم ذكرها وصاحب هذه الوظيفة يحمل الدواة المذكورة قدامه على السرج ويسير بها في المواكب‏.‏

الثامنة - وظيفة زم الأقارب‏.‏

وصاحبها يحكم على طائفة الأشراف الذين هم أقارب الخليفة وكلمته نافذة فيهم‏.‏

التاسعة - زم الرجال‏.‏

وهو الذي يتولى أمر طعام الخليفة كأستادار الصحبة‏.‏

الضرب الثاني ما يكون من غير المحنكين ومن مشهوره وظيفتان‏:‏ الأولى - نقابة الطالبيين‏.‏

وهي بمثابة نقابة الأِشراف الآن ولا يكون إلا من شيوخ هذه الطائفة وأجلهم قدراً وله النظر في أمورهم ومنع من يدخل فيهم من الأدعياء وإذ ارتاب بأحد أخذه بإثبات نسبه‏.‏

وعليه أن يعود مرضاهم ويمشي في جنائزهم ويسعى في حوائجهم ويأخذ على يد المتعدي منهم ويمنعه من الاعتداء ولا يقطع أمراً من الأمور المتعلقة بهم إلا بموافقة مشايخهم ونحو ذلك‏.‏

الوظيفة الثانية - زم الرجال‏.‏

وصاحبها يتحدث على وظائف الرجال والأجناد كزم الصبيان الحجر وزم الطائفة الآمرية والطائفة الحافظية وزم السودان وغير ذلك وهو بمثابة مقدم الصنف الثاني من أرباب الوظائف بحضرة الخليفة أرباب الأقلام وهم على ثلاثة أنواع‏:‏ النوع الأول أرباب الوظائف الدينية والمشهور منهم ستة‏:‏ الأول - قاضي القضاة‏.‏

وهو عندهم من أجل أرباب الوظائف وأعلاهم شأناً وأرفعهم قدراً‏.‏

قال ابن الطوير‏:‏ ولا يتقدم عليه أحد أو يحتمي عليه وله النظر في الأحكام الشرعية ودور الضرب وضبط عيارها وربما جمع قضاء الديار المصرية وأجناد الشأم وبلاد المغرب لقاض واحد وكتب له به عهدٌ واحد كما سيأتي في الكلام على الولايات إن شاء الله تعالى‏.‏

ثم إن كان الوزير صاحب سيفٍ كان تقليده من قبله نيابة عنه وإن لم يكن كان تقليده من الخيلفة‏.‏

ويقدم له من إصطبلات الخليفة بغلةٌ شهباء يركبها دائماً وهو مختص بهذا اللون من البغال دون أرباب الدولة ويخرج له من خزانة السروج مركب ثقيل وسرج برادفتين من الفضة وفي المواسم الأطواق وتخلع عليه الخلع المذهبة وكان من مصطلحهم أنه لا يعدل شاهداً إلا بأمر الخيفة ولا يحضر إملاكاً ولا جنازة إلا بإذن وإذا كان ثم زيرٌ لا يخاطب بقاضي القضاة لأن ذلك من نعوت الوزير ويجلس يوم الاثنين والخميس بالقصر أول النهار للسلام على الخليفة ويوم السبت والثلاثاء يجلس بزيادة الجامع العتيق بمصر وله طرحة ومسند للجولس وكرسي توضع عليه دواته‏.‏

إذا جلس بالمجلس جلس الشهود حواليه يمنةً ويسرةً على مراتبهم في تقدم تعديلهم‏.‏

قال ابن الطير‏:‏ حتى يجلس الشاب المتقدم التعديل أعلى من الشيخ المتأخر التعديل وبين يديه أربعة موقعون اثنان مقابل اثنين وببابه خمس حجاب‏:‏ اثنان بين يديه واثنان على باب المقصورة وواحد ينفذ الخصوم‏.‏

ولا يقوم لأحد وهو في مجلس الحكم البتة‏.‏

الثاني - داعي الدعاة‏.‏

وكان عندهم يلي قاضي القضاة في الرتبة ويتزيا بزيه في اللباس وغيره‏.‏

وموضوعه عندهم أنه يقرأ عليه مذاهب أهل البيت بدار تعرف بدار العلم ويأخذ العهد على من ينتقل إلى مذهبهم‏.‏

الثالث - المحتسب‏.‏

وكان عندهم من وجوه العدول وأعيانهم وكان من شأنه إذا خلع عليه قريء سجله بمصر والقاهرة على المنبر ويده مطلقةٌ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على قادعة الحسبة ولا يحال بينه وبين مصلحة أرادها ويتقدم إلى الولاة بالشد منه ويقيم النواب عنه بالقاهرة ومصر وجميع الأعمال كنواب الحكم ويجلس بجامعي القاهرة ومصر يوماً بيوم وباقي أمره على ما الحال عليه الآن‏.‏

قلت‏:‏ ورأيت في بعض سجلاتهم إضافة الحسبة بمصر والقاهرة إلى صاحبي الشرطة بهما أحياناً‏.‏

اللرابع - وكالة بيت المال‏.‏

وكانت هذه الوكالة لا تسند إلا لذوي الهيبة من شيوخ العدول ويفوض إليه عن الخليفة بيع ما يرى بيعه من كل صنف يملك ويحوز التصرف فيه شرعاً وعتق المماليك وتزويج الإماء وتضمين ما يقتضي الضمان وابتياع ما يرى ابتياعه وإنشاء ما يرى إنشاءه من البناء والمراكب وغير ذلك مما يحتاج إليه في التصرف عن الخليفة‏.‏

الخامس - النائب‏.‏

والمراد نائب صاحب الباب المتقدم ذكره المعبر عنه في زماننا بالمهمندار‏.‏

قال ابن الطوير‏:‏ ويعبر عن هذه النيابة بالنيابة الشريفة‏.‏

وقال وهي رتبة جليلة يتولاها أعيان العدول وأرباب الأقلام وصاحبها ينوب عن صاحب الباب في تلقي الرسل الواردين على الخليفة على مسافة وقفة نواب الباب في خدمته وينزل كلا منهم في المكان اللائق به ويرتب لهم ما يحتاجون إليه ولا يمكن أحداً من الاجتماع بهم ويتولى أفتقادهم ويذكر صاحب الباب بهم ويسعى في نجاز أمرهم وهو الذي يسلم بهم على الخليفة أو الوزير ويتقدمهم ويستأذن عليهم ويدخل الرسول وصاحب الباب قابضٌ على يده اليمنى والنائب قابض على يده اليسرى فيحفظ ما يقولون وما يقال لهم ويجتهد في انفصالهم على أحسن الوجوه وإذا غاب أقام عنه ومن شريطته أن لا يتناول من أحد من الرسل تقدمة ولا طرفة إلا بإذن‏.‏

قال ابن الطوير‏:‏ وهو المسمى الآن بالمهمندار وسيأتي في الكلام على ترتيب المملكة المستقر أن المهمندار الآن من أصحاب السيوف وكأن ذلك لموافقة الدولة في اللسان والهيئة‏.‏

السادس - القراء‏.‏

وكان لهم قراء يقرأون بحضرة الخليفة في مجالسه وركوبه في المواكب وغير ذلك وكان يقال لهم قراء الحضرة يزيدون في العدة على عشر نفرٍ وكانوا يأتون في قراءاتهم في المجالس ومواكب الركوب بآيات مناسبة للحال بأدنى ملابسة ثم ألفوا ذلك وصار سهل الاستحضار عليهم وكان ذلك يقع منهم موقع الاستحسان عند الخليفة والحاضرين حتى أنه يحكى أن بعض الخلفاء غضب على أمير فأمر باعتقاله فقرأ قارئ الحضرة‏:‏ ‏"‏ خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ‏"‏ فاستحسن ذلك وأطلقه إلا أنهم كانوا ربما آتوا إذا روعي قصدهم فيها أخرجت القرآن عن معناه‏:‏ كما يحكى أنه لما استوزر المستنصر بدر الجمالي قرأ قارئهم‏:‏ ‏"‏ ولقد نصركم الله ببدرٍ وأنتم أذلةٌ ‏"‏ ولما استوزر الحافظ رضوان قرأ قارئهم‏:‏ ‏"‏ يبشرهم ربهم برحمةٍ منه ورضوان ‏"‏ إلى غير ذلك من الوقائع‏.‏

النوع الثاني من أرباب الأقلام أصحاب الوظائف الديوانية وهي أربعة أضرب الضرب الأول الوزارة إذا كان الوزير صاحب قلم اعلم أن أكثر وزرائهم في ابتداء دولتهم إلى أثناء خلافة المستنصر كانوا من أرباب الأقلام‏:‏ تارةً وزارة تامة وتارة وساطة وهي رتبة دون الوزارة وممن اشتهر من دون وزرائهم أرباب الأقلام فيما ذكره ابن الطوير‏:‏ يعقوب بن كلس وزير العزيز والحسن بن عبد الله اليازوري وزير المستنصر وأبو سعيد التستري والجرجراني وابن أبي كدينة وأبو الطاهر أحمد بن بابشاذ صاحب المقدمة في النحو ووزير الوزراء علي بن فلاح والمغربي وزير المستنصر وهو آخر من وزر لهم من أصحاب الأقلام وعليه قدم أمير الجيوش بدرٌ الجمالي فوزر للمستنصر على ما تقدم ذكره وربما تخلل تلك المدة الأولى في الوساطة أرباب السيوف كبرجوان الخادم وقائد القواد الحسين بن جوهر وثقة ثقات السيف والقلم علي بن صالح كلهم في أيام الحاكم‏.‏

وربما ولي الوساطة بعض النصارى كعيسى بن نسطورس في أيام العزيز ومنصور بن عبدون الملقب بالكافي وزرعة بن نسطورس الملقب بالشافي كلاهما في أيام الحاكم‏.‏

وربما كان الأمر شورى في أهل المروادني وكان من زي وزرائهم أصحاب الأقلام أنهم يلبسون المناديل الطبقيات بالأحناك تحت حلوقهم كالعدول وينفردون بلبس الدراريع مشقوقةً من النحر إلى أسفل الصدر بأزرار وعرى وهذه علامة الوزارة ومنهم من تكون أزراره من ذهب مشبك ومنهم من تكون أزراره من لؤلؤ وعادته أن تحمل له الدواة المحلاة بالذهب من خزانة الخليفة ويقف بين يديه الضرب الثاني ديوان الإنشاء وكان يتعلق به عندهم ثلاث وظائف الأولى - صحابة ديوان الإنشاء والمكاتبات وكان لا يتولاه إلا أجل كتاب البلاغة ويخاطب بالأجل وكان يقال عندهم كاتب الدست الشريف وإليه تسلم المكاتبات الواردة مختومةً فيعرضها على الخليفة من يده وهو الذي يأمر بتنزيلها والإجابة عليها ويستشيره الخليفة في أكثر أموره ولا يحجب عنه متى قصد المثول بين يديه وربما بات عنده الليالي ولا سيبل إلى أن يدخل إلى ديوانه ولا يجتمع بكتابه أحدٌ إلا خواص الخليفة‏.‏

وله حاجب من أمراء الشيوخ وله مرتبة عظيمة للجلوس عليها بالمخاد والمسند ودواته من أخص الدوي وأحسنها إلا أنه ليس لها كرسي توضع عليه كدواة قاضي القضاة ويحملها له أستاذ من الأستاذين المختصين إذا أتى إلى حضرته‏.‏

الثانية - التوقيع بالقلم الدقيق في المظالم وهي رتبة جليلة تلي رتبة صاحب ديوان الإنشاء والمكاتبات ويكون صاحبها جليساً للخليفة في أكثر أيام الاسبوع في خلوته يذاكره ما يحتاج إليع من كتاب الله تعالى أو أخبار الأنبياء والخلفاء الماضين ويقرأ عليه ملح السير ويكرر عليه ذكر مكارم الأخلاق ويقوي يده في تجويد الخط وغير ذلك‏.‏

وصحبته للجلوس دواة محلاة فإذا فرغ في المجالسة ألقى في الدواة كاغدة فيها عشرة دنانير وقرطاسٌ فيه ثلاثة مثاقيل ند مثلث خاص ليتبخر به عند دخوله على الخليفة ثاني دفعة‏.‏

وإذا جلس الوزير صاحب السيف للمظالم كان إلى جانبه يوقع بما يأمر به في المظالم‏.‏

وله موضعٌ من حقوق ديوان المكاتبات لا يدخل إليه أحد إلا بإذن وفراش لتقديم القصص ويرفع إليه هناك قصص المظالم ليوقع عليها بما يقتضيه الحال كما يفعل كاتب السر الآن‏.‏

الثالثة - التوقيع بالقلم الجليل وكان يسمى عندهم الخدمة الصغرى لجلالتها ولصاحبها الطراحة والمسند في مجلسه بغير حاجب‏.‏

وموضوعها الكتابة بتنفيذ ما يوقع به صاحب القلم الدقيق وبسطه‏.‏

وصاحب القلم الدقيق في المعنى ككاتب السر أو كاتب الدست في زماننا وصاحب القلم الجليل ككاتب الدرج‏.‏

فإذا رفعت قصص المظالم حملت إلى صاحب القلم الدقيق فيوقع عليها بما يقتضيه الحال بأمر الخليفة أو أمر الوزير أو من نفسه ثم تحمل إلى الموقع بالقلم الجليل لبسط ما أشار إليه صاحب القلم الدقيق ثم تحمل في خريطة إلى الخليفة فيوقع عليها ثم تخرج في خريطتها إلى الحاجب فيقف على باب القصر ويسلم كل توقيع لصاحبه‏.‏

أما توقيع الخليفة بيده على القصص فإنه إن كان ثم وزيرٌ صاحب سيف وقع الخليفة على القصة بخطه‏:‏ ‏"‏ وزيرنا السيجد الأجل ونعته بالمعروف به أمتعنا الله تعالى ببقائه يتقدم بكذا وكذا إن شاء الله تعالى ‏"‏ ويحمل إلى الوزير فإن كان يحسن الكتابة كتب تحت خط الخليفة‏:‏ ‏"‏ أمتثل أمر مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ‏"‏ وإن كان لا يحسن الكتابة كتب أمتثل فقط وإن لم يكن وزيرٌ صاحب سيف‏:‏ فإن أراد الخليفة نجاز الأمر لوقته وقع في الجانب الأيمن من القصة يوقع بذلك فتخرج إلى صاحب ديوان المجلس فيوقع عليها بالقلم الجليل ويخلي موضع العلامة ثم تعاد إلى الخليفة فيكتب في موضع العلامة يعتمد وتثبت في الدواوين بعد ذلك‏.‏

وإن كان يوقع في مساحة أوز تسويغ أو تحبيس كتبت لرافعها بذلك وقد أمضينا ذلك وإن أراد علم حقيقة القصة وقع على جانب هذه القصة ليخرج الحال في ذلك وتحمل إلى الكاتب فيكتب الجال وتعاد إلى الخليفة فيفعل فيها ما أراد من توقيع ومنع والله أعلم‏.‏

الضرب الثالث ديوان الجيش والرواتب وهو على ثلاثة أقسام‏:‏ الأول - ديوان الجيش‏.‏

ولا يكون صاحبه إلا مسلماً وله الرتبة الجليلة والمكانة الرفيعة وبين يديه حاجبٌ وإلييع عرض الأجناد وخيولهم وذكر حلاهم وشيات خيولهم‏.‏

وكان من شرط هذا الديوان عندهم ألا يثبت لأحد من الأجناد إلا الفرس الجيد من ذكر الخيل وإناثها دون البغال والبراذين وليس له تغيير أحد من الأجناد ولا شيء من إقطاعهم إلا بمرسوم‏.‏

وبين يدي صاحب هذا الديوان نقباء الأمراء يعرفونه أحوال الأجناد من الحياة والموت والغيبة والحضور وغير ذلك على ما الحال عليه الآن‏.‏

وكان قد فسح للأجناد في المقايضة بالإقطاعات لما لهم في ذلك من المصالح كما هو اليوم بتوقعات من صاحب ديوان المجلس من غير علامة ولم يكن لأمير من أمرائهم بلد كاملة وإن علا قدره إلا في النادر‏.‏

ومن هذا الديوان كان يعمل أوراق أرباب الجرايات وله خازنان برسم رفع الشواهد‏.‏

الثاني - ديوان الرواتب‏.‏

وكان يشتمل على اسم كل مرتزق في الدولة وجار وجراية وفيه كاتب أصيل بطراحة ونحو عشرة معينين والتعريفات واردة عليه من كل عملٍ باستمرار من هو مستمرٌ ومباشرة من استجد وموت من مات وفيه عدة عروض يأتي ذكرها في الكلام على إجراء الأرزاق والعطاء‏.‏

الثالث - ديوان الإقطاع‏.‏

وكان مختصاً عندهم بما هو مقطع للأجناد وليس للمباشرين فيه تنزيل حلية جندي ولا شية دابته وكان يقتل لإقطاعات العربان في أطراف البلاد وغيرها الاعتداد وهي دون عبرة الأجناد‏.‏

 الضرب الرابع نظر الدواوين

وصاحب هذه الوظيفة هو رأس الكل وله الولاية والعزل وإليه عرض الأرزاق في أوقات معروفة على الخليفة والوزير وله الجلوس بالمرتبة والمسند وبين يديه حاجب من أمراء الدولة وتخرج له الدواة من خزانة الخليفة بغير كرسي وإليه طلب الأموال واستخراجها والمحاسبة عليها ولا يعترض فيما يقصده من أحد من الدولة‏.‏

قال ابن الطوير‏:‏ ولم ير في هذا الوظيفة نصراني إلا الأحرم‏.‏

الثانية - ديوان التحقيق‏.‏

وموضوعه المقابلة على الدواوين وكان لا يتولاه إلا كاتب خبير وله الخلع ومرتبة يجلس عليها وحاجب بين يديه ويفتقر إليه في كثير من الأوقات ويلحق برأس الدواوين المتقدم ذكره‏.‏

الثالثة - ديوان المجلس‏.‏

قال ابن الطوير‏:‏ وهو أصل الدواوين قديماً وفيه معالم الدولة بأجمعها وفيه عدة كتب وعنده معين أو معينان وصاحب هذا الديوان هو المتحدث في الإقطاعات ويخلع عليه وينشأ له سجلٌ بذلك لاحق بديوان النظر وله دواة تخرج له من خزانة الخليفة وحاجب يقف بين يديه وكان يتولاه عندهم أحد الكتاب الدواة ممن يكون مترشحاً لأن يكون رأس الدواوين ويسمى استيماره دفتر المجلس‏.‏

وهو متضمن للعطاء والظاهر من الرسوم التي تقرر في غرة السنة والضحايا وما ينفق من دار الفطرة في عيد الفطر وفي فتح الخليج والأسمطة المستعملة في رمضان وغيره وسائر المآكل والمشارب والتشريفات وما يطلق من الأهراء من الغلات وما لأولاد الخليفة وأقاربه وأرباب الرواتب على اختلاف الطبقات من المرتب وما يرد من الملوك من الهدايا والتحف وما يبعث به إيه من الملاطفات ومقادير صلات الرسل الواردين بانمكاتبات ما يخرج من الاكفان لمن يموت من الحريم وضبط ما ينفق في الدولة من المهمات ليعلم ما بين السنة والأخرى من التفاوت وغير ذلك من الأمور المهمة‏.‏

وهذا الديوان في زماننا قد تفرق إلى عدة دواوين كالوزراة ونظر الخاص والجيش وغيرها‏.‏

الربعة - ديوان خزائن الكسوة‏.‏

وكان لها عندهم رتبة عظيمة في المباشرات‏.‏

وقد تقدم ذكر حواصلها في جملة الخزائن فيما سبق‏.‏

الخامسة - الطراز‏.‏

وكان يتولاه الأعيان من المستخدمين من أرباب الأقلام وله اختصاص بالخليفة دون كافة المستخدمين ومقامه بدمياط وتنيس وغيرهما من مواضع الاستعمالات ومن عنده تحمل المستعملات إلى خزانة الكسوة المقدمة الذكر‏.‏

السادسة - الخدمة في ديوان الأحباس قال ابن الطوير‏:‏ وهي أوكد الدواوين مباشرة لا يخدم فيها إلا الأعيان كتاب المسلمين من الشهود المعدلين وفيها عدة مدراء بسبب أرباب الرواتب وكان فيه كاتبان ومعينان لنظم الاستيمارات ويورد في استيماره كل ما الرقاع والرواتب وما يجبى له من جهات كل من الوجهين القبلي والبحري‏.‏

السابعة - الخدمة بديوان الرواتب‏.‏

وفيه مرتبات الوزير فمن دونه إلى الضوي قال ابن الطوير‏:‏ بلغ في بعض السنين ما يزيد على مائة ألف دينار ونحواً من مائتي ألف ومن القمح والشعير عشرة آلاف إردب وكان استيمار الرواتب يعرض في كل سنة على الخليفة فيزيد من يزيد وينقص من ينقص وإنه عرض سنةً على المستنصر بالله فلم يعترض أحداً المرتبين بنقص ووقع على ظاهر الاستيمار بخطه الفقر مر المذاق والحاجة تذل الأعناق وحراسة النعم بإدرار الأرزاق فليجروا على رسومهم في الإطلاق وما عندهم ينفد وما عند الله باقٍ وأمر ولي الدولة ابن خيران كاتب الإنشاء بإمضاء ذلك‏.‏

الثامنة - الخدمة في ديوان الصعيد من الصعيد الأعلى والصعيد الأدنى‏.‏

وكان فيه عدة كتاب فرو والاستيفاء مقسوم بينهم وعليهم عمل التذاكر بطلب ما تأخر من الحساب‏.‏

وصاحب هذا الديوان يترجمها بخطه ويحملها إلى صاحب الديوان الكبير فيوقع عليها بالاسترفاع ويندب لها من الحجاب أو غيرهم من يراه وله مياومة يأخذها من المستخدمين مدة بقائه عندهم ويحضرها نسخاً للدواوين الأصول‏.‏

التاسعة - الخدمة في ديوان أسفل الأرض‏.‏

وهو الوجه البحري خلا الثغور وحكمه فيما تقدم من الكتاب وما يلزم كلا منهم كحكم ديوان الصعيد المتقدم الذكر من غير فرق‏.‏

العاشرة - الخدمة في ديوان الثغور‏.‏

وهي الإسكندرية ودمياط ونستروه والبرلس والفرما الحادية عشرة - الخدمة في الجوالي والمواريث الحشرية‏.‏

قال ابن الطوير‏:‏ كان لا يتولاه إلا عدل وفيه جماعة من الكتاب على ما تقدم في غيره من الدواوين أيضاً‏.‏

الثانية عشرة - الخدمة في ديواني الخراجي والهلالي وتجري فيه الرباع والمكوس وعليه حوالات أكثر المرتزقين‏.‏

الثالثة عشرة - الخدمة في ديوان الكراع‏.‏

وفيه معاملة الإصطبلات وما فيها من الدواب الخاص وغيرها والبغال والجمال ودواب المرمة المرصدة للعمائر ورباع الديوان وعدد ذلك وآلاته وعلوفات ذلك مع ما ينضم إليه من علوفة الفيلة والزراريف والوحوش وراتب من يخدمها‏.‏

وكان في هذا الديوان كاتباً أصل ومستوفي ومعينان‏.‏

الرابعة عشرة - الخدمة في ديوان الجهاد‏.‏

ويقال‏:‏ له ديوان العمائر وكان محله بالصناعة بمصر وفيه إنشاء المراكب للأسطول وحمل الغلال السلطانية والأحطاب وغيرها ومنه ينفق على رؤساء المراكب ورجالها وإذا لم يف ارتفاقه بما يحتاج إليه استدعي له من بيت المال بما يكفيه‏.‏

الصنف الثالث من أرباب الوظائف أصحاب الوظائف الصناعية وأعظمها وظائف الأطباء وكان للخليفة طبيب يعرف بطبيب الخاص يجلس على باب دار الخليفة كل يوم ويجلس على الدكك التي بالقاعة المعروفة بقاعة الذهب بالقصر دونه أربعة أطباء أو ثلاثة فيخرج الأستاذون فيستدعون منهم من يجدونه للدخول على المرضى بالقصر لجهات الأقارب والخواص فيكتب لهم رقاعاً على خزانة الشراب فيأخذون ما فيها وتبقى الرقاع عند مباشريها شاهداً لهم‏.‏

ولكل منهم الجاري والراتب على قدره‏.‏

الصنف الرابع الشعراء وكانوا جماعة كثيرة من أهل ديوان الإنشاء وغيره وكان منهم أهل سنة لا يغلون في المديح وشيعةٌ يغلون فيه‏.‏

فمن أحسن مدحٍ فيهم لسني قول عمارة اليمنى رحمه الله‏:‏ أفاعيلهم في الجود أفعال سنةٍ وإن خالفوني في اعتقاد التشيع ومن الذي وقعت فيه المغالاة قول بعضهم‏:‏ هذا أمير المؤمنين بمجلس أبصرت فيه الوحي والتنزيلا وإذا تمثل راكباً في موكبٍ عانيت تحت ركابه جبريلا قلت‏:‏ وههذ المغالاة من المغالاة الفاحشة التي لا يجوز الإقدام عليها لسني ولا متشيع وإنما هي من اقتحام الشعراء البوائق‏.‏

القسم الثاني من أرباب الوظائف بالدولة الفاطمية ما هو خارج عن حضرة الخلافة وهو واعلم أن مملكتهم كانت قد انحصرت في ثلاث ممالك فيها نواب وولاتهم‏:‏ المملكة الأولى الديار المصرية وهي التي كانت قد استقرت قاعدة ملكهم ومحط رحالهم وكان بها أربع ولايات‏:‏ الأولى - ولاية قوص وكانت هي أعظم ولايات الديار المصرية وواليها يحكم على جميع بلاد الصعيد وربما ولي بالأشمونين ونحوها من يكون دونه‏.‏

الثانية - ولاية الشرقية وكانت دون ولاية قوص في الرتبة وكان متوليها يحكم على عمل بلبيس وعمل قليوب وعمل أشموم‏.‏

الثالثة - ولاية الغربية وكانت دون ولاية الشرقية في المرتبة وكان متوليها يحكم على عمل المحلة وعمل منوف وعمل أبيار‏.‏

الرابعة - ولاية الإسكندرية وهي دون الغربية في الرتبة وكان متوليها بحكم على أعمال البحيرة بأجمعها‏.‏

قال ابن الطوير‏:‏ وهؤلاء الأربعة كان يخلع عليهم من خزانة الكسوة بالبدنة وهو النوع الذي يلبسه الخليفة في يوم فتح الخليج‏.‏

قلت‏:‏ لعل هذه الولايات أربع ولايات الولاة التي تدخل تحت حكمها الولايات الصغار أو تكون هي التي استقر عبليه الحال في آخر دولتهم وإلا فقد رأيت في تذكرة أبي الفضل الصوري أحد الجملة الخامسة من ترتيب مملكتهم في هيئة الخليفة في مواكبه وقصوره وهي على ثلاثة أضرب‏.‏

الضرب الأول جلوسه في المواكب وله ثلاثة جلوسات الجلوس الأول جلوسه في المجلس العام أيام المواكب واعلم أن جلوس الخليفة أولاً كان بالإيوان الكبير الذي كان بالقصر على سرير الملك الذي كان بصدره إلى آخر أيام المستعلي‏.‏

فلما ولي ابنه الآمر الخلافة بعده نقل الجلوس من الإيوان الكبير إلى القاعة المعروفة بقاعة الذهب بالقصر أيضاً وصار يجلس من مجالسها على سرير الملك به وجعل الإيوان الكبير خزانة للسلاح ولم يتعرض لإزالة سرير الملك منه حتى جاءت الدولة الأيوبية وهو باق وكان جلوسه الخليفة في هذه الحالة لا يتعدى يومي الاثنين والخميس وليس ذلك على الدوام بل على التقرير بحسب ما يقتضيه الحال‏.‏

فإذا أراد الجلوس فإن كان في الشتاء علق المجلس الذي يجلس فيه بستور الديباج وفرش بالبسط الحرير وإن كان في الصيف علق بالستور الدبقية وفرش بطبري طبرستان المذهب الفائق وهيئت المرتبة المعدة لجلوسه على سرير الملك بصدر المجلس وعشي السرير بالقرقوبي ثم يستدعي الوزير من داره بصاحب الرسالة على حصان رهوان في أسرع حركة على خلاف الحركة المعتادة فيركب الوزير في هيئته وجماعته بين يديه الأمراء فإذا وصل إلى باب القصر ترجل الأمراء وهو راكب إلى أول باب باب من الدهليز الطوال عند دهليز يعرف بدهليز العمود ويمشي وبين يديه أكابر الأمراء إلى مقطع الوزارة بقاعة الذهب فإذا تهيأ جلوس الخليفة استدعى الوزير من مقطع الوزارة إلى باب المجلس الذي فيه الخليفة وهو مغلق وعلى بابه سترٌ مغلق فيقف زمام القصر عن يمين باب المجلس وزمام بيت المال عن يساره والوزير واقف أمام باب المجلس وحواليه الأمراء المطوقون وأرباب الخدم الجليلة وفي خلال القوم قراء الحضرة ويضع صاحب المجلس الدواة مكانها من المرتبة أما الخليفة ثم يخرج كم من أكمامه يعرف بفرد الكم ويشير إلى زمام القصر وزمام بيت المال الواقفين بباب المجلس فيرفع كل منهما جانب الستر فيظهر الخليفة جالساً على سرير الملك مستقبل القول بوجهه ويستفتح القراء بالقرآن ويدخل الوزير المجلس ويسلم بعد دخوله ثم يقبل يدي الخليفة ورجليه ويتأخر مقدار ثلاثة أذرع ويقف ساعة زمانية ثم تخرج له مخدة عن الجانب الأيمن من الخليفة ويؤمر بالجلوس إليها ويقف الأمراء في أماكنهم المقررة لهم فصاحب الباب واسفهسلار من جانبي

الباب يميناً ويساراً ويليهم من خارجه ملاصقاً للعتبة زمام الآمرية والحافظية وباقي الأمراء على مراتبهم إلى آخر الرواق وهو إفريزٌ عالٍ عن أرض القاعة ثم أرباب القضب والعماريات يمنةً ويسرةً كذلك ثم الأماثل والأعيان من الأجناد المترشحين للتقدمة ويقف مستنداً بالقدر الذي يقابل باب المجلس نواب الباب والحجاب فإذا انتظم الأمر على ذلك فأول ماثل للخدمة بالسلام قاضي القضاة والشهود المعروفون بالاستخدام فيجيز صاحب الباب القاضي دون من معه فيسلم على الخليفة بأدب الخلافة بأن يرفع يده اليمنى ويشير بالمسبحة ويقول بصوت مسموع‏:‏ ‏"‏ السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ‏"‏ يتخصص بهذا الكلام دون غيره من أهل السلام ثم يسلم بالأشراف الأقارب زمامهم وبالأشراف الطالبيين نقيبهم فتمضي عليهم كذلك ساعتان زمانيتان أو ثلاثٌ ثم يسلم عليه من خلع عليه بقوص أو الشرقية أو الغربية أو الإسكندرية ويشرفون بتقبيل العتبة وإذا دعت حاجة الوزير إلى مخاطبة الخليفة في أمر قام من مكانه وقرب منه منحنياً على سيفه ويخاطبه مرة أو مرتين أو ثلاثاً ثم يأمر الحاضرون بالانصراف فينصرفون ويكون آخرهم خروجاً الوزير بعد تقبيل يد الخليفة ورجله‏.‏

فإذا خرج إلى الدهليز الذي ترجل فيه ركب منه إلى داره وفي خدمته من حضر في خدمته إلى القصر ويدخل الخليفة إلى سكنه مع خواص الأستاذين ثم يغلق باب المجلس ويرخى الستر إلى أن يحتاج إلى حضور موكب آخر فيكون الأمر كذلك‏.‏

وهي ليلة أول رجب وليلة نصفه وليلة أول شعبان وليلة نصفه إذا مضى النصف من جمادى الاخرة حمل إلى القاضي من حواصل الخليفة ستون شمعة زنة شمعة منها سدس قنطار بالمصري ليركب بها في أول ليلة من شهر رجب فإذا كان أول ليلة منه جلس الخليفة في منظرة عالية كانت عند باب الزمرد من أبواب القصر المتقدم ذكره وبين يديه شمع يوقد في العلو يتبين شخصه على إرتفاعه‏.‏

ويركب القاضي من داره بعد صلاة المغرب وبين يديه الشمع المحمول إليه من خزانة الخليفة موقوداً ومن كل جانب ثلاثون شمعة وبين الصفين مؤذنو الجوامع يعلنون بذكر الله تعالى ويدعون للخليفة والوزير بترتيب مقرر محفوظ ويحجبه ثلاثة من نواب الباب وعشرة من حجاب الخليفة خارجاً عن حجاب الحكم المستقرين وهم خمسة في زي الأمراء وفي ركابه القراء يقرأون القرآن والشهود وراءه على ترتيب جلوسهم بمجلس الحكم الأقدم فالأقدم وحول كل منهم ثلاث شمعات أو شمعتان أو شمعة واحدة إلى بين القصرين في جمع عظيم حتى يأتي باب الزمرد من أبواب القصر فيجلسون في رحبة تحت المنظرة التي فيها الخليفة ويحضر بين يديه بسمتٍ ووقار وتشوف لانتظار ظهور الخليفة فيفتح الخليفة إحدى طاقات المنظرة فيظهر منها رأسه ووجهه على رأسه عدة من خواص الأستاذين من المحنكين وغيرهم فيفتح بعض الأستاذين طاقةً أخرى فيخرج منها رأسه ويده اليمنى ويشير بكمه قائلاً‏:‏ ‏"‏ أمير المؤمنين يرد عليكم السلام ‏"‏ فيسلم بقاضي القضاة أولاً بنعوته وبصاحب الباب بعده كذلك وبالجماعة الباقية جملة من غير تعيين أحد ويستفتح قراء الحضرة بالقراءة وهم قيام في الصدر ظهورهم إلى حائط المنظرة ووجوههم للحاضرين‏.‏

ثم يتقدم خطيب الجامع الأنور وهو الذي بباب البحر فيخطب كما يخطب فوق المنبر وينبه على فضيلة ذلك الشهر وأن ذلك الركوب علامته ثم يختم كلامه بالدعاء للخليفة ثم يتقدم خطيب الجامع الأزهر فيخطب كذلك ثم يتقدم خطيب جامع الحاكم فيخطب كذلك والقراء في خلال تلك الخطب يقرأون فإذا انتهت خطابة الخطباء أخرج الأستاذ الأول يده من تلك الطاقة فيرد على الجماعة السلام ثم تغلق الطاقاتان وينفض الناس ثم يركب القاضي والشهود إلى دار الوزير فيجلس لهم ليسلموا عليه ويخطب الخطباء الثلاثة عنده بأخف من مقام الخليفة ويدعون له ثم ينصرفون ويذهب القاضي والشهود صحبته إلى مصر ووالي القاهرة في خدمته ويمر بجامع ابن طولون فيصلي فيه ويخرج منه فيجد والي مصر في تلقيه فيمضي في خدمته ويمر على المشاهد فيتبرك بها ويمضي إلى الجامع العتيق ويدخل من باب الزيادة التي يحكم فيها فيصلي في الجامع ركعتين ويوقد له التنور الفضة الذي بالجامع وهو تنور عظيم حسن التكوين فيه نجو ألف وخمسمائة براقة وبسفله نحو مائة قنديل ثم يخرج من الجامع فإن كان ساكناً بمصر استقر بها وإن كان وكذلك يركب في ليلة الخامس عشر من رجب إلا أنه بعد صلاته في جامع مصر يتوجه إلى القرافة فيصلي في جامعها ثم يركب في أول شعبان كذلك ثم في نصفه كذلك‏.‏

الجلوس الثالث جلوسه في مولد النبي صلى الله عليه وسلم في الثاني عشر من شهر ربيع الأول وكان عادتهم فيه أن يعمل في دار الفطرة عشرون قنطاراً من السكر الفائق حلوى من طرائف الأصناف وتعبى في ثلثمائة صينية نحاس‏.‏

فإذا كان ليلة ذلك المولد تفرق في أرباب الرسوم‏:‏ كقاضي القضاة وداعي الدعاة وقراء الحضرة والخطباء والمتصدرين بالجوامع بالقاهرة ومصر وقومه المشاهد وغيرهم ممن له اسم ثابت بالديوان ويجلس الخليفة في منظرة قريبة من الأرض مقابل الدار القطبية المتقدمة الذكر وهي بالبيمارستان المنصوري الآن ثم يركب القاضي بعد العصر ومعه الشهود إلى الجامع الأزهر ومعهم أرباب تفرقة الصواني المتقدمة الذكر فيجلسون في الجامع مقدار قراءة الختمة الكريمة وتسد الطريق تحت القصر من جهة السيوفيين وسويقة أمير الجيوش ويكنس ما بين ذلك ويرش بالماء رشاً ويرش تحت المنظرة بالرمل الأصفر‏.‏

ويقف صاحب الباب ووالي القاهرة على رأس الطرق لمنع المارة ثم يستدعي القاضي ومن معه فيحضرون ويترجلون على القرب من المنظرة ويجتمعون تحتها وهم متشوفون لانتظار ظهور الخليفة فيفتح إحدى طاقات المنظرة فيظهر منها وجهه ثم يخرج أحد الاستاذين المحنكين يده ويشير بكمه بأن الخليفة يرد عليكم السلام ويقرأ القراء ويخطب الخطباء كما تقدم في ليالي الوقود فإذا انتهت خطابة الخطباء أخرج الأستاذ يده مشيراً برد السلام كما تقدم ثم تغلق الطاقتان وينصرف الناس إلى بيوتهم وكذلك شأنهم في مولد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه الخاص في أوقات معلومة عندهم من السنة‏.‏